من الغباء

محمد الوشلي: من الغباء
أن تتعامل معك جماعة تريد أن تُدعى بدولة على أساس المحبة والكراهية ، علاقة مراهقات بأحلامهن أو بكوابيسهن .
نحن لا نكرهكم ، ولا نحبكم ، وحين نحكي نعتقد أنه حق لنا وفق ضوابط علاقتنا معكم والمكتوبة على شكل قوانين بلغة جافة وواضحة .
لكن أنتم من جعلتموها علاقة الأعلى بالأدنى ، الأعلم بالأجهل ، الأوفى بالأخون ، وللأسف الأغنى بالأفقر .
يحاول البعض تنبيهكم ..
يخبركم أنه يرى ..وقبل أن يكمل لكم قائلا عن ما رآه ..
تقومون باقتلاع عينيه .
وهذه حركة أغبى من غباء تحديدكم المسبق للعلاقة بيننا على أساس ما تخبركم به قلوبكم الهشة والمرتعشة والجاهلة .
من الغباء الشديد أن تقتلع عيني أحدهم ..
بعدها سيصبح مستحيلا عليه أن يغلقهما . ثم أن يتجاهل ، أن لا يرى بشكل أدق مما كان عليه ، بأعين مفتوحة للأبد ، سواء كان داخل منزله أو في غرفة سجن مظلمه أو داخل قبر.
كيف لك بعدها .. أمام أعين مفتوحة للأبد ، أن تلفق خدعة وجودك الذي لم يحدث .
وجود أبسط تعريف له أنه سلسلة من الخدع المتتالية ، كلمات يلعب بها البهلوان بألف لسان مستنسخ .
وحين لا تسقط حتى كلمة واحدة على الأرض من يديك البهلوانيتين ، ضميرك المخادع ، تظن أنك قد نجحت في إتمام الخدعة ، تقول هاهي أعين الناس البسطاء تصفق .
إنما وحدها الأعين التي خفت منها قبل بداية العرض ، ثم اقتعلتها احتياطا ، وحدها ظلت مفتوحة ، لن يفوتها ذلك الجزء من الثانية حين يظهر الفراغ العاطفي وغياب المعنى والصلابة فيما تقوم به .
ستنكشف الكلمات التي تراكمها فوق بعضها وكأنها جثث لا يربط بينها شيء سوى تكدسها على بعضها في مقبرة جماعية ، مقبرة بدون ماض ولا تاريخ ، بدون قصة .
وما أتعس طرف حين يسيطر على كل كلمات الدنيا لكنه لا يستطيع أن يشكل منها قصة واحدة ، ولو قصيرة وبسيطة وصادقة .
قصص الناس عظيمة ..
حتى لو لم يعودوا قادرين على قول كلمة واحدة ، إنما قصصهم هناك .
بالتأكيد هنااااك .
قد تحرق الشجرة ، ويبقى منها جرح كبير منكشف للشمس ، مهما مر وقت الان ، إلا أن هذا الجرح ، الندبة ، هو تاريخ حقيقي قابل للقراءة ، تاريخ كفاح الخائف ، معاناة المتروك ، جرح يلمع بملاحظات جادة ولا يمكن تكذيبها عن كل سعادة وتعاسة ، سنوات الشجرة الضيقة وسنواتها الواسعة ، الهجمات التي ردتها ، والعواصف التي تحملتها وحيدة .
القصص العظيمة والحقيقية لا يمكن مواجهتها إلا بالقصص العظيمة والحقيقية .
التفصيلة مقابل التفصيلة ، الحزن مقابل الحزن ، التحسر مقابل التحسر .
البندقية الممتلئة بالرصاص ، هي والله بدون قصة مهزومة لا محالة أمام صدر ممتلئ بالقصص .
الحشود المستنسخة التي تصنعها دون منحها قصة وإن منحتها كل بنادقك وترسانتك قبل أن تأمرها كفوج جنود أن تعبر فوق أجساد الناس ، هي والله تعبر حقول فيها القصص مدفونة مثل ألغام لا نهاية لها ، القصص مخيفة حين تدوسها بالخطأ عن جهل أو عن قصد وتبجح .
البندقية بدون قصة هي بندقية مختلة ومتوهمة ولا عدو لها والجميع عدو لها .
وأرى أنه وإن كانت قصص الناس هي من تجعل رأسك مصابا بالدوار الآن .
إلا أن افتقادك للقصة هي الطلقة التي يوما
ستطيح بهذا الرأس.